القرية والمدينة في السياق القرآني

الفرق بين القرية والمدينة

زياد السلوادي

ذكرت القرية والقرى في القرآن الكريم 57 مرة ، وذكرت المدينة والمدائن في القرآن الكريم 17 مرة ، منها أربع للمدينة المنورة ، وثمان في مصر ، ومن الملفت للنظر أن القرية قد أطلق عليها وصف المدينة في مرتين ، مرة في قصة لوط حيث وصفت بالقرية في قوله تعالى ( وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ) الأنبياء: 74 . ووصفت بالمدينة في قوله تعالى ( وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ، قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ) الحجر: 67 – 68 . ومرة في قصة موسى مع العبد الصالح ، حيث وصف المكان بالقرية في قوله تعالى ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ .. ) الكهف: 77 . ووصف مرة أخرى بالمدينة في قوله تعالى ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا .. ) الكهف: 82 . فهل يعني ذلك أن القرية قد يطلق عليها مدينة أيضاً ؟ وما هو الفرق بينهما إذاً ؟
في جميع الآيات التي ذكرت القرى ما عدا آية واحدة ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) يوسف: 82 . نجد دائماً أنها مترافقة مع ألفاظ مثل ( العذاب ، الرجز ، خاوية على عروشها ، الظلم ، المجرمون ، الهلاك ، الفساد ، الكفر ، البخل ، الخبث ، السوء ، البطر ، الترف ، التكذيب ، العتو ، الغفلة ) ، وذلك أن أهلها رفضوا دعوة رسولهم وجادلوه بالباطل فأنزل الله تعالى بهم العذاب ، واقرأ إن شئت :
( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ .. ) هود: 102 .
( إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) العنكبوت: 34 .
( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا .. ) البقرة: 259 .
وبملاحظة جميع الآيات التي وردت فيها لفظة ( القرية والقرى ) و ( المدينة والمدائن ) ، نجد أن القرية هي المسرح الذي دارت عليه أحداث القصة ، وهي مركز الأحداث ، بينما المدينة تشير الى الضواحي البعيدة أو القريبة التي لها علاقة بالقصة ( ما عدا المدينة المنورة ) . ومن ذلك نستنبط أن المجتمعات الإنسانية القديمة كانت في أغلب الأحوال مجتمعات صغيرة متناثرة في العالم القديم ، تعيش على الزراعة أو الرعي أو صيد الأسماك أو بعض التجارة ، ويحكمها دائماً أكابر المتسلطين الأقوياء من أبنائها ، وأن الحضارات الكبرى والدول المركزية كانت تعد على أصابع اليد مثل الصين ومصر وفارس وروما ، وأن ذكر المدينة حين ترافق مع القرية يدل على أن القرية كانت قريبة من إحدى هذه الدول المركزية ، ولكننا نلاحظ أن المدينة لم يترافق مع ذكرها مثل تلك الألفاظ التي ترافقت مع القرية ، مما يدل على أن دور المدينة في القصة كان دائماً دوراً ثانوياً ، ولنأخذ بعض الأمثلة .
يحدثنا القرآن الكريم في سورة يس عن قرية جاءها المرسلون ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) يس: 13 . ثم بعد أخذ ورد بين المرسلين وبين أكابر كفار القرية يستأنف القرآن الكريم ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) يس: 20 . يأتي رجل من أقصى المدينة ( الضواحي ) ليعزز دعوة المرسلين .
وفي قصة موسى مع العبد الصالح كان الجدار في القرية ( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) ، وكان الغلامان صاحبا الجدار في المدينة ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) ، مما يشير الى أن المدينة تعني ( الضواحي ) أيضاً ، كما أن دور الغلامين في القصة لم يشترك في الأحداث التي تمت فيها .
وفي قصة أصحاب الكهف يحدثنا القرآن الكريم عن فتية أووْا الى كهف منعزل فناموا فيه 309 سنين ، ثم لما استيقظوا أحسوا بالجوع فقال بعضهم لبعض ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ) الكهف: 19 . فالأحداث المهمة حدثت في الكهف فكان الكهف هو مسرح القصة ، بينما المدينة هنا أشارت مرة أخرى الى ( ضواحي ) الكهف .
ويتجلى هذا المعنى في صورة أوضح حين ذكرت ( المدائن ) وهي جمع ( المدينة ) ثلاث مرات في القرآن الكريم ، كلها تشير الى مكان بعيد عن مركز الأحداث ، وذلك في قصة موسى مع فرعون حين أرسل فرعون في طلب السحرة من جميع المدن :
( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ) الأعراف: 111 .
( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ) الشعراء: 36 .
( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ) الشعراء: 53 .
ومما سبق نستطيع القول إن القرية هي مجتمع صغير يحكمه أكابر أبنائه من أصحاب المصالح ، ترافق ذكرها مع العذاب وكانت دائماً مركزاً لأحداث القصة ، وأما المدينة فهي المكان البعيد أو ( الضواحي ) ولم يترافق ذكرها مع العذاب ، وكان دورها ثانوياً في القصة .
منقول وله بقية بإذن الله

بارك الله فيك استاذنا العزيز
بنتظار القادم

الأخ الفاضل

هزيم الرعد

شكرا بلا حدود

لحضورك الجميل لمتصفحي المتواضع

وجزاك الله خير الجزاء

ودمت بكل المحبة

بارك الله فيك
وجعلها في ميزان حسناتك

شكرا لحضورك الكريم

وجزاك الله خيرا