بسم الله الرحمن الرحيم
المنظومة السباعية في سور الحواميم (حم)
بَيْنَ يَدَيْ الحَوَاميم : الحواميم هي سبع سور من القرآن الكريم تشترك في أنها تُفتَـتَح بـ (حم) ومن هنا فقد صارت كالعائلة الواحدة فأطلق عليها بعائلة الحواميم ، وقد حرص السلف الصالح على تسمية هذه السور المبدوءة بـحرفي (حم) بـ (آل حم) مما يدلل على أنهم اعتبروا هذه السور السبع أسرة واحدة وزمرة واحدة (1) ، ولا يخفى ما بين الحواميم من التشاكل(2) وهو أن كل سورة منها ابتدأت بـ (حم) ثم استفتحت بالكتاب أو وصفه مع تفاوت المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام وهو ما ذكره السيوطي في (تناسق الدرر) نقلاً عن الكرماني في (العجائب) (3) فضلاً عن ذلك فإنها تتميز بما يأتي :
1 . إنها تتكون من سبع سور متتالية في ترتيبها في المصحف الشريف هي: (غافر ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف) .
2 . نزلت سور هذه المجموعة متتالية ومتتابعة أيضاً فقد نزلت أولاً السورة رقم (40) ثم (41) ثم (42) وهكذا إلى رقم (46).
3 . ومن المهم أن نعلم بأن هذه السور قد نزلت جميعاً بمكة ؛ فعن ابن عباس قال: (نزلت الحواميم جميعاً بمكة) (4).
4 . أنها تبدأ بـ (حم) باستثناء (الشورى) فآيتها الأولى (حم) وآيتها الثانية (عسق) مما جعلها تتميز عن باقي سور المجموعة وقد يكون لها الصدارة بين هذه السور أو قد تمثل عاملاً مشتركاً بين سور المجموعة ، فضلاً عن كونها السورة الوحيدة التي تسلسلها من مضاعفات الـ (7) وهو (42) . وسنبين لاحقاً التميز الذي تتمتع به هذه السورة حسب المنظومة السباعية .
5 . الحرف الأول الحاء (ح) ورد في هذه المجموعة ولم يتكرر خارجها ، ثم أنه الحرف الوحيد الذي تكرر (7) مرات من بين الحروف المقطعة كلها ، كما أنه لم يرد من الحروف المقطعة حرف آخر تكرر بأحد مضاعفات الرقم (7) .
فَضْلُ الحَوَاميم :
وفي فضل سور الحواميم قال رسول الله r : (الحواميم سبع وأبواب النار سبع ، يجيء كل حم منها يقف على باب من هذه الأبواب يقول : اللهم لا تُدخِل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني ) (1) ، وقول النبي r : (إن لكل شيء ثمرة وثمرة القرآن ذوات حاميم ، هي روضات محصنات متجاورات ، فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) (2) ، وقوله r : (الحواميم ديباج القرآن) (3) .
وأول سورة من الحواميم هي سورة (غافر) لتدل على أن عملية ستر الذنوب جارية إلى يوم القيامة بشرط الاستغفار والإنابة وسميت بذلك لأن الله تعالى ذكر هذا الوصف الجليل في أول السورة في قوله تعالى : (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْب)(غافر: من الآية3) وتسمى أيضاً سورة المؤمن لذكر قصة مؤمن آل فرعون فيها في قوله تعالى : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ)(غافر: من الآية28) ، وتسمى (حم الأولى) لأنها أولى ذوات حم (5) .
وتأتي سورة فصلت بعد سورة غافر ، وقد سُمِّيَتْ (فُصِّلَتْ) بصيغة (فُعِّلَ) التي تدل على التكرير والتكثير وعلى منتهى البيان والتفصيل (6) ، لأن الله تعالى فصل فيها الآيات ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته ، وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته وخلقه لهذا الكون البديع الذي ينطق بجلال الله وعظيم سلطانه (7) ، وقد وردت لفظة (فصلت) في أول السورة في قوله تعالى : (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(فصلت:3) ، ثم في قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) (فصلت:من الآية 44) .، وتسمى هذه السورة أيضاً بـ (حم السجدة) لأنها تميزت عن السور المفتتحة بـ (حم) بأن فيها سجدة من سجود القرآن في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37) ولذلك تسمى أيضاً بـ (سورة السجدة) .
وتأتي بعدها سورة الشورى (وقد ذكر اسم السورة في أثناء حديثها عن صفات المؤمنين ، وجاء عنوان هذه التسمية تنويهاً بمكانة الشورى في الإسلام وتعليماً للمسلمين أن يقيموا حياتهم على هذا المنهج الأمثل الأكمل (منهج الشورى) لما له من أثر عظيم في حياة الفرد والمجتمع ) (1) وذلك في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38) ، وظهر أن تسلسل لفظة (شورى) في الآية الكريمة هو السابع (2) وقد زيد في افتتاحها بـ (حم) حروف أخرى هي (عسق) ، ولذلك تسمى أيضاً بـ (حم عسق) وتسمى سورة (عسق) لقصد الإختصار (3) .
ورابعة الحواميم ؛ سورة الزخرف ، وسميت بالزخرف لقوله تعالى : (وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (الزخرف:35) ، وسماها البخاري في صحيحه : (حم الزخرف) (4) ، كما أن لفظة (زخرفاً )لم تقع في غيرها من القرآن الكريم فكانت عنواناً لها .
وتأتي بعدها سورة الدخان ، وسُمِّيَتْ بذلك لما ذُكِرَ فيها من علامات الساعة ومنها خروج الدخان فقال تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) (الدخان:10).
أما سورة الجاثية فقد سُمِّيَت بذلك تنديداً بالمنكرين للبعث وتهديداً لهم بالخسران يوم القيامة يوم تجثوا أُمَمُ الخَلائقِ كلها لخالقها الواحد الأحد إذ يقول تعالى : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً )(الجاثـية: من الآية28) .
وتختتم (آل حم) بسورة الأحقاف ، وسميت بالأحقاف لورود لفظ (الأحقاف) في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)(الأحقاف:الآية21) ولقد تفردت هذه السورة بلفظ (الأحقاف) فلم يرد اللفظ في غيرها من السور .
مَوضُوعَاتُ الحَوَاميم :
ذكرنا فيما سبق ما بين الحواميم من التشاكل والاشتراك في صفات عديدة في الشكل ، وما لذلك من أهمية في المنظومة السباعية ، ونود الإشارة إلى ما بين هذه المجموعة من السور من توافق واشتراك في المعاني والمضامين وعلاقة ذلك بالمنظومة السباعية أيضاً إذ يمكن استخلاص (سبع) موضوعات رئيسة ناقشتها سور الحواميم على السواء يمكن تلخيصها بالعناوين الآتية (1) : 1. تنزيل القرآن وصفاته .
2. النعم الألهية .
3. قصص الأنبياء والأمم السابقة .
4. خطاب الرسول r .
5. الإنسان ، والإيمان والكفر .
6. مشاهد القيامة .
7. قواعد إيمانية.
المَنظومَةُ السُّبَاعِيَّةُ في مَجمُوعَةِ الحَوَاميم (آل حم) :
إن مجموعة الحواميم ؛ تلك السور السبع ، وهي جزء من آيات كتاب الله تبارك وتعالى (وهي 114 سورة) ، كما أنها جزء من السور المفتتحة بالحروف المقطعة (وهي 29 سورة) ، فضلاً عن كونها نزلت متسلسلة دون انقطاع وحسب ترتيب المصحف الشريف كالآتي : ( 40 ، 41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 46 ) كما ذكرنا ، ولما كان عدد سور الحواميم (7) فإنه كان لهذه السور أهمية خاصة في المنظومة السباعية في القرآن الكريم وفي البناء العددي لكلمات وآيات هذه السور ، ومن هنا جاءت فكرة إعمال الرقم (7) في بحثنا هذا وجعله أساساً في دراسة التوافقات العددية لهذه المجموعة من السور النورانية في القرآن الكريم . وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على أرقام السور وأسمائها وعدد كلماتها ومجموع أرقام الجُمَّل فيها،وقد حصلنا من خلال ذلك على توافقات عددية مهمة كان الرقم (7) محوراً لها ، فضلاً عن أن باحثين سابقين تناولوا بحث مجموعة الحواميم باعتماد أرقام أخرى كالرقم (19) كما فعل الاستاذ بسام جرار في كتابه (إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم-مقدمات تنتظر النتائج) وقد حصل من خلال ذلك على نتائج مهمة قد تكون أساساً في وضع قاعدة عامة في المستقبل لهذا النوع من البحث في القرآن الكريم ويأخذ مكانه مستقبلاً كعلم قائم بذاته بين علوم القرآن .
مركزية سورة الشورى بين الحواميم :
كما أشرنا إليه أن بعض السلف كان حريصاً على تسمية السور المبدوءة بـ (حم) باسم : (آل حم) مما يشير إلى أنهم أعتبروها عائلة واحدة ، غير أنـه مما يشد الاهتمام ويلفت النظر ما تميزت به سورة الشورى أنها ابتدأت بـ (حم * عسق) خلافاً عن سائر أخواتها من بنات (حم) التي ابتدأت بـ (حم) ، مع التأكيد على أن (حم) آية و (عسق) آية ثانية ، فمن غير شكٍ أن هناكَ سرّاً بل أسراراً وراء ذلك الترتيب وقد يكون الكاشف لبعض تلك الأسرار متمثلاً بالتوافقات العددية التي نرجوا أن نكون قد وُفِّقنا إلى بعضٍ منها ، ومن ذلك ما توصلنا إليه من المركزية لسورة الشورى بين السور السبع من أخواتها والتي منها :
أن سورة الشورى قد فصلت بين السور الست من عائلة الحواميم ؛ بواقع سورتين قبلها وهما: غافر وفصلت ، وأربع بعدها وهُنَّ : الزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ، مع ملاحظة أن السورتين اللتين قبلها وهما غافر وفصلت كان لكل واحدة منهما اسمين ؛ فسورة (غافر) تسمى بسورة (المؤمن) ، وسورة (فصلت) تسمى بسورة (السجدة) ، وبذلك يكون قد حصل توازن بين سور الحواميم على كفتي ميزان (الشورى) التي مثلت المركز بين أخواتها .. فضلاً عن أن هناك مؤشرات مركزية أخرى لهذه السورة سنذكرها لاحقاً .